الثلاثاء، 7 يوليو 2009


مصر والعدو الأمريكى
1967 ـ 1973

محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

مدخل :
أثار خطاب الأمريكى الطيب " باراك حسين أوباما " الكثير من الضوضاء واللغط حول أمريكا ودورها الجديد . خاصة وأنه قد جاء بعد ثمان سنوات عجاف من حكم الامريكى الشرير " جورج دبليو بوش ".
وحتى لا نضلل ولا نضل السبيل ، ومن أجل ابنائنا من الشباب الذين لم يعاصروا الحكاية من أولها ، فإنه من الأفضل أن نتتبع المسألة من جذورها .
بدأت مشكلتنا الكبرى مع امريكا ، منذ أن ورثت عن بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية مهمات قيادة الاستعمار العالمى ، ومن ضمنها تأسيس و رعاية دولة اسرائيل ، وحماية وجودها و ضمان أمنها ، والانحياز اليها على طول الخط ، ودعمها دعما كاملا بالمال والسلاح ، وضمان تفوقها العسكرى على كافة الدول العربية مجتمعة . ولذلك بدأت منذ الخمسينات تمارس علينا الضغوط السياسية والاقتصادية ، لكى نعترف بالكيان الصهيونى ونوقع معه معاهدة صلح . وعندما لم تفلح فى ذلك ، استخدمت معنا الخديعة فى حرب 1967 لتتيح لاسرائيل توجيه الضربة الاولى فى العدوان . الامر الذى أدى ، ونتيجة للخلل الكبير فى بنيتنا العسكرية ، الى احتلال سيناء بالاضافة الى الجولان والضفة الغربية وغزة .
وبعدها قامت امريكا بالدور الرئيسى لاستمرار الاحتلال الصهيونى لاراضينا المحتلة ، بالمخالفة الصريحة لميثاق الامم المتحدة ، فحالت دون صدور أى قرار دولى من مجلس الامن بالانسحاب ، الا بشرط الاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين 1948 ، وهو ما جاء بالنص فى قرار الامم المتحدة 242 لعام 1967 .
وعندما رفضنا الاستسلام ، وقررنا مواصلة النضال لتحرير الارض المحتلة وازالة آثار العدوان ، وحققنا انجازا عسكريا كبيرا فى بدايات حرب اكتوبر 1973 ، تدخلت الولايات المتحدة تدخلا عسكريا مباشرا اثناء الحرب ، لدعم العدو . و سرقت منا النصر ، ثم مارست ضغوطها على الرئيس السادات ، فانكسرت ارادته ، وانسحب من الصراع ، واصطلح مع العدو ، منفذا الشروط الامريكية التى سبق ورفضتها مصر والعرب جميعا منذ عام 1948 . و هى الحالة والوضع الذى ما زلنا نعيش فيه حتى الآن .
هذا هو ملخص حكايتنا مع أمريكا ، و نستطيع أن نتعرف على تفاصيلها من الرئيس السادات نفسه ، الذى اخترناه للشهادة ، لانه هو الذى أدخل الامريكان مصر . تطبيقا للقول المأثور " وشهد شاهد من أهلها " .


الخديعة الامريكية فى 1967 :

§ فى 12/11/1970 قال الرئيس أنور السادات فى خطابه :
" فى مايو 1967 يبعث تبليغ رسمى لنا ولإسرائيل وللمنطقة كلها أن أمريكا ضد من يطلق أى طلقة فى المنطقة .. وأن أمريكا حتكون ضد المعتدى . وبعدين اسرائيل اعتدت .. إيه اللى جرى بعد عدوان يونيو .. نسيوه ..... وجم فى مجلس الأمن ولأول مرة فى التاريخ يصدر قرار بايقاف القتال ولايذكر فيه الانسحاب وكلنا عارفين ايه اللى عمله المندوب الصهيونى الأمريكى اللى كان رئيس وفد أمريكا فى ذلك الوقت وبيفتخر بأنه صهيونى .."

§ وفى خطاب آخر للسادات قال :" ان اسرائيل لم تكن لتمضى على هذا النحو الذى مضت به ابان معارك الأيام الستة سنة 1967 إلا بإشارة ضوء أخضر من الولايات المتحدة .. بعد العدوان مباشرة كتبت الصحف الأمريكية والمجلات أن خطة العدوان عرضت على الرئيس الأمريكى جونسون .. ووافق الرئيس الأمريكى وأعطى مباركته ".

أمريكا هى العدو الأصلى :

§ فى 10 يناير 1971 قال السادات في احد خطبه : " ان امريكا تقف خلف اسرائيل بان لا تجلو من اى شبر"
§ و " الامريكان هم ا لاعداء الاصليين وليس الاسرائيليين لان اسرائيل خط الدفاع الاول لمصالح امريكا في المنطقة "
§ وفى 11 يناير قال : " امريكا تعطى السلاح وتريد أن تذل كرامتنا "..
§ وفى 11 نوفمبر 1971 قال : " اننا نعتبر الولايات المتحدة هى المسئول الاول عن اسرائيل . إن سيل الاموال الذي يتدفق في الاقتصاد الاسرائيلى والسلاح الذي تمسك به اسرائيل يجىء به كله من من الولايات المتحدة الامريكية . ان طائرات الفانتوم التى اغارت على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة امريكية ولكنها غطاء امريكى لاسرائيل. "

هدف أمريكا هو عزل مصر عن الأمة العربية :

§ وقال فى خطابه فى افتتاح الدورة الاولى لمجلس الشعب بتاريخ 11 من نوفمبر 1971 :" اوضح الاهداف الأمريكية فى المنطقة هى :عزل مصر عن الامة العربية . ونحن لانستطيع القبول تاريخيا ومصيريا بمثل ذلك لان مصر جزء من الامة العربية قدرا ومستقبلا ".
§ وقال في 2 ابريل 1972 : " نحن نعرف اين تقف امريكا وما هى سياستها واهدافها ، امريكا تدعم اسرائيل لتحافظ على استغلالها لثروة العرب "
§ وفى خطابه بالاسكندرية يوم 27 يوليو 1972 قال : " ان موقف امريكا هو عملية استدراج لكى نسلم ولكن امريكا بعساكرها ليست ربنا "..

سياسة أمريكا واحدة لا تتغير :

§ وفى 9 يناير1973 قال : " انه لا امل في أن يكون لامريكا نظرتها الموضوعية ازاء مشكلة الشرق الاوسط .."
§ وفى 23يوليو 1973 قال : " ان سياسة امريكا تنطلق من منطلق واحد وهو تجميد الموقف وفرض الامر الواقع . جونسون هو نيكسون . سياسية واحدة وتخطيط واحد وسيسير من يخلف نيكسون على نفس الخط ".

امريكا تدخل الحرب ضد مصر :

§ قال الرئيس انور السادات في 16 اكتوبر 1973 : " ان الولايات المتحدة ، بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت الى سياسة لا نستطيع ان نسكت عليها او تسكت عليها امتنا العربية ذلك انها اقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة ، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة "
§ و قال فى 16 سبتمبر 1975 : " انه في ليلة 19 من اكتوبر 1973 كان بقى لى عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها . اتخذت من العريش خلف خطوطنا مباشرة بكل وضوح قاعدة وكانت بتنزل في العريش علشان الامداد يروح للجبهة في اقل وقت ممكن . طبعا كل شىء كان في خدمة اسرائيل وبعدها عرفت انه كان القمر الصناعى الامريكى بيصور كل يوم ولما انتقلت فرقة من فرقنا المدرعة من الغرب الى الشرق كطلب سوريا لتكثييف عملنا العسكرى علشان نجدتها ، على جبهتنا احنا ..صوروا الامريكان هذا ونقلوه للاسرئيليين ووضعت عملية الثغرة من وقتها ..وكل الكلام ده قاله اليعازر( رئيس الاركان الاسرائيلى المعزول ) في مذكراته مش محتاج ان احنا نستشهد باحد عليه . ..يوم 19 اكتوبر لقيت اننى احارب امريكا عشرة ايام لوحدى في الميدان ونزلت امريكا بكل ثقلها "

أمريكا تهددنا لكى لا نقضى على الثغرة :

§ قال السادات في حديث لمجلة الحوادث اللبنانية نشرته في 8 اغسطس 1975 : "جاءنى الدكتور كيسنجر في 11 ديسمبر 1973 وكان جيب الدفرسوار موجودا ، وكان لنا حول الجيب 800 دبابة ، بخلاف خمس فرق كاملة حشدناها شرق القناة ، منها الفرقتان التابعتان للجيش الثالث . وهذه الفرق الخمس كانت بكامل اسلحتها ودباباتها ومعداتها تكون حلقة تحيط باليهود مع حائط صواريخ اروع من الحائط الذي اشتكت منه اسرائيل..و سألنى كيسنجر انت ناوى تعمل ايه ؟ فقلت : هذه اعظم فرصة لتصفية الجيب الاسرائيلى ..لقد تورطوا في دخول منطقة لاتتسع لاكثر من لواء او لوائين من الدبابات فادخلوا اربعة الوية ، على اساس انها عملية سياسية او كما سميتها من قبل معركة تليفزيونية ..فلا هم قادرون على الدخول الى الكثافة السكانية في مصر ، وليس من السهل ان ينجحوا في قطع المائة كيلومتر حتى يصلوا الى القاهرة عن طريق الصحراء . وفرقى جاهزة لتقفل الممر الذي اوجدوه بين قواتى في اقل وقت ممكن ، والخطة موضوعة وجاهزة تنتظر صدور الاوامر . وقال كيسنجر : كل ما تقوله صحيح وقد تلقيت من البنتاجون قبل ان احضر لاقابلك تقريرا كاملا بعدد الدبابات التى اعددتموها ..عندك كذا..وعدد بطارياتك وصواريخك كذا ، والقوات المحتشدة حول الجيب قادرة فعلا على تصفية الجيب ولكن لابد ان تعرف ما هو موقف امريكا ..اذا اقدمت على هذه العملية فستضرب "


شهادة الرئيس الامريكى نيكسون :

كانت هذه هى شهادة السادات عن الدور العدوانى الأمريكى ضد مصر ، ولقد أكد الرئيس الامريكى نيكسون هذه الحقائق فى كتابه نصر بلا حرب الصادر عام 1999 فقال : " لقد أمرت فى حرب 1973 ببناء جسر جوى ضخم للمعدات و المواد التى مكنت اسرائيل من وقف تقدم سوريا ومصرعلى جبهتين "

وتفصيل ذلك انه فى 19 اكتوبر تقدم الرئيس الأمريكى نيكسون الى الكونجرس بالموافقة على إعتماد جديد لبرنامج المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل يصل فى مجموعه الى 2200 مليون دولار وذكر نيكسون فى تبريره لهذا الطلب أن نفقات تعويض اسرائيل عن خسائرها فى السلاح والعتاد عالية جدا ، وأن الحكومة الأمريكية تكلفت ماقيمته 825 مليون دولار من الأسلحة والعتاد لإسرائيل خلال الاثنتى عشر يوما الأولى فقط من بدء القتال . وقد بلغ اجمالى مانقلته الولايات المتحدة فى هذه الفترة ومن خلال 566 رحلة جوية ما يبلغ 395ر22 طن من الإمدادات والتى سبقها 500ر5 طن حملتها طائرات العال الإسرائيلية . هذا بالاضافة الى عمليات الاستطلاع التى قامت بهما طائرتا التجسس الأمريكيتين ( س : ر71) اللتان حلقتا فوق منطقة القناة ، والتى أمدت اسرائيل بالمعلومات التى مكنتها من القيام بالثغرة . بالاضافة الى مشاركة مباشرة من اعداد من الطيارين الامريكيين فى الحرب .
* * * * *

أمريكا فى حالة حرب مع مصر بموجب قواعد القانون الدولى :

§ تنص المادة 17 من الاتفاقية الخامسة من اتفاقيات لاهاى الخاصة بالحرب التى أبرمتها الدول عام 1907 وماتزال مرجعهم فى تحديد المواقف القانونية من الحرب والسلام ، تنص على أن الدولة المحايدة تصبح شريكة فى الحرب إذا قامت بأعمال عدائية نحو أحد المتحاربين . ومن بين الأعمال العدائية التى تنفى موقف الحياد كما حددتها تلك الاتفاقيات ، الاشتراك فى القتال الفعلى او تقديم المساعدات او الذخائر الحربية او الإعانات المالية او نقل المهمات الحربية .
§ وتنص المادة السادسة من الاتفاقية الثالثة عشرة صراحة على انه محرم على الدولة المحايدة أن تقدم لدولة محاربة ، مباشرة او بالواسطة أي مراكب حربية او ذخيرة او مهمات عسكرية .

* * * * *
أما بعد :
انه فى الفترة 1967ـ 1973 أعلنت الولايات المتحدة الحرب ضد مصر ، وشاركت فى العدوان علينا ، فأصبحت بموجب قواعد القانون الدولى عدوا صريحا لنا ، تماما مثل العدو الصهيونى .

* * * * * *
القاهرة فى 27 يونيو 2009

ليست هناك تعليقات: